الأربعاء، 24 أغسطس 2011

الصحراء الشرقية

هى بنا نتعرف على الصحراء الشرقية
تمتد الصحراء الشرقية بين وادي النيل والبحر الأحمر؛ وهي مختلفة تماماً عن الصحراء الغربية، بحيث يصعب جمعهما معاً تحت اسم واحد. إنها صحراء، ككل الصحراوات، من رمال، غير أن الغالب فيها هو سلسلة من الجبال الوعرة، تتخللها الوديان، التي يعيش بها واحد من أكبر وأغنى التجمعات النباتية والحيوانية في الأراضي المصرية. من هذه الجبال، ( شايب البنات )، الذي يبلغ ارتفاعه 2187 متراً، وهو الأعلى في تلك السلسلة، التي تتمتع قممها بمعدلات معقولة من الأمطار، تتخلق من الطبيعة الجبلية لهذه القمم، بالإضافة إلى معدل هطول طبيعي سنوي، يسود المنطقة، ويقل عن 50 ملليمتراً. وتستقبل الوديان مياه الأمطار المتدفقة، بالرغم من عدم وجود مسارات ثابتة للمياه، التي تتجمع فيما يشبه الينابيع؛ وقد تتسرب المياه المتجمعة، لتكون أحواضاً جوفية، ذات قاع صخري.


ويتميز الحد الشرقي للجبال بوديان عديدة، قصيرة نسبياً، وشديدة الانحدار؛ بينما وديان الجانب الغربي طويلة وأقل انحداراً. ونظراً للجفاف الشديد الذي يسود الصحراء الشرقية، بعامة، فإن مظاهر الحياة النباتية والحيوانية تقتصر على الوديان، وبصفة خاصة، على جوانب هذه الوديان؛ فمياه الأمطار الهاطلة على الجبال تتخذ هيئة السيول، التي تتدفق إلى الوديان، حاملة معها الصخور، وفي بعض الأحيان تنقل كتلاً ضخمة منها؛ كما تجرف كل ما تجده في طريقها؛ لذلك، فإن مسارات هذه السيول في الوديان تخلو من الحياة النباتية، التي تنتقل إلى ضفاف الأودية، التي تعلو مستوى مياه السيل. إن هذا الحال لا يمتد إلى منطقة نهايات الأودية، حيث يزيد اتساع الوادي وتقل درجة انحداره، فإذا وصلته مياه السيل المندفعة، فقدت قوتها، فلا تنتزع وتجرف النباتات النامية في نهايات الأودية؛ بل إن جزءاً من المياه يركد، ويبقى في التربة، فتتوفر مياه تكفي لأن تنمو عليها النباتات لعدة سنوات قادمة.

وأبرز ما يمثل الحياة النباتية في المنطقة الجبلية من الصحراء الشرقية، المورينجا Moringa peregrina ؛ والأصـــــف، أو الكَبَــر البري، وهو نبات يسترعي الانتباه، على وجه خاص، إذ ينمو على الجُــرُف الصخرية، في هيئة تجمعات زاهية الخضرة، تتناثر بينها زهور بيضاء كبيرة؛ والعجيب من أمر هذه الزهور، أنها تنمو في المساء، ولا تلبث أن تذبل بسرعة، مع ارتفاع شمس اليوم التالي؛ وعلى ذلك، فإن الفرصة الوحيدة المتاحة لرؤية هذه الأزهار تكون في الصباح الباكر. ومن الأشجار الشائعة في الوديان، الســـنط؛ أما شجيرات الســــواك Salvadora persica ، فهي نادرة الوجود بالنواحي الجبلية، بالرغم من أنها نموذج نمطي شائع بالوديان؛ وقد أخذت اسمها من استخدام أغصانها اللينة وجذورها، على نطاق واسع، كأداة لتنظيف الأسنان. ومن الأشجار التي يجود نموها في هذه البيئة، الأثـــل؛ وشجرة (هجليج، أو إجليج )، وثمارها عبارة عن توت قرمزي صغير الحجم، عصيري، مقبول كطعام، بنكهته الحريفة اللطيفة.

ومن الطيور اللصيقة بالمنطقة الجبلية، الرخـمـــة المصرية، أو ( أنــــوق )، وتعرف أيضاً باسم ( دجاجة الفرعون )؛ وطائر ( حجل الصخر ). أما الوديان، فهي ملتقى أنواع عديدة من الطيور المهاجرة، تتخذها محطة للراحة، ولالتقاط الغذاء.

 وتضم قائمة زواحف الجبال العظاءات ( السحالي ) قاطنة الصخور، مثل ( البرص أبو كـــف )؛ و ( حردون البحر الأحمر )؛ و ( الأزرود الجبلي الرفيع ). وعند نهايات الوديان، تنتشر الحية المقرنة، ذات الصيت السيئ الذي لا تستحقه، فهي مجرد ثعبان فاتر الهمة، يُضــطـــر للعــض كإجراء دفاعي، وعضته غير سامة.

 ومن الحيوانات المتميزة التي تعيش في جبال الصحراء الشرقية، التيس البري؛ ويُعَـــدُّ ملك الجبال حقاً، وهو أيضاً معرَّض لخطر الانقراض. إنه لا يبارح أعالي الجبال إلا مرة واحدة باليوم، ليشرب من مياه الوديان. أما ثعلب الرمال ، فهو – مع ( الكراكال )، أو ( عناق الأرض ) – من الحيوانات اللاحمة، التي يشيع وجودها في الوديان. ويتعرض الكراكال، مع حيوانات الســـنور الكبيرة لضغوط بيئية قاسية.

 تتوزع مواقع نمو النوع المعروف باسم ( افيسينيا ) - الشـــورى - من أشجار ( المنجروف )، في الأرض الرخوة، على امتداد ساحل البحر الأحمر؛ ويتزايد عدد هذه المواقع واتساعها، كما تتزايد أطوال هذه الأشجار، كلما اتجهنا جنوباً. وتبدأ أول مواقع تواجد المنجروف في الشمال، عند الكيلو 26 شمال الغردقة، ناحية ( الجونة )؛ أما أكبر قواعد المنجروف اتساعاً، فهي المنطقة بين ( بير شلاتين ) و ( حلايب )، حيث تمتد غابات المنجروف، بلا انقطاع، لعدة كيلومترات، موازية لخط الساحل. وأما النوع الآخر من المنجروف ( رايزوفورا )، أو القرم، فتبدأ أشجاره في الظهور إلى الجنوب من خط العرض 23 درجة شمالاً؛ ولكنه لا يصل إلى درجة وفرة النوع الأول، في نطاق الحدود المصرية.

وينو المنجروف كشجيرات أو أشجار صغيرة، يتراوح طولها بين متر واحد وثلاثة أمتار، مهيَّـــأة بشكل فريد لتنمو في ظروف بيئية قاسية، فتتحمل الملوحة وشح الأكسجين؛ فاكتسبت قدرات خاصة، تواجه بها تلك الظروف؛ منها تلكم التفريعات القائمة، الشبيهة بالسيقان، التي تنمو لأعلى، خارجة من الجذور، والتي يبدو أن وظيفتها هي إمداد تلك الجذور بالأوكسيجين. ومنها، الإسراع بإنبات البذور، وهي لا تزال على النبات، وتخرج منها جذور جينية .. وهكذا، تتفادى أشجار الشورى إشكالية أن تنبت البذور في مثل تلك التربة شديدة الملوحة، وبالوقت ذاته، يأتيها ما يلزمها من أوكسيجين عبر جذورها الجنينية. وثالث هذه القدرات، تلك التي تمكن النبات من امتصاص الماء المالح، واستخلاص الملح وطرده، ليظهر على سطح الأوراق في صورة بللورات.

إن أشجار المنجروف مكوِّن حيوي لا غنى عنه في النظام البيئي الساحلي، فهي تسهم بشكل ملموس في إصحاحه؛ كما أنها مهد التوالد، والمأوى، لعديد من أنواع الأسماك والقشريات البحرية ذات الأهمية الاقتصادية.

ومن الطيور التي تعيش مرتبطة بالبيئة الطبيعية لأشجار الشورى، ( البلشون المخطط )، و ( أبو ملعقة )، و ( بلشون الصخر ) أو ( سارة )؛ كما يعيش أفراد من ( عقاب البحر ) بين تلك الأشجار، وإن كان هذا الطائر، في أغلب الأحيان، يبني أعشاشه على الأرض.

 ولا توجد أنواع أخرى من نباتات المستنقعات المالحة لها نفس درجة انتشار الشورى، وذلك على طول ساحل البحر الأحمر وخليج السويس؛ ويوجد أهم هذه المستنقعات في مناطق ( العين السخنة )، ودلتا وادي الجمال، ووادي الديب.

 ويجري وادي الجمال في اتجاه البحر الأحمر، على بعد 30 كيلومتراً، إلى الجنوب من ( مرسى علم )؛ وبالقرب من الشاطئ، تتفجر به عين ماء عذب، تمتزج مياهها بماء البحر، فتنتج مياه منخفضة الملوحة، تغطي مساحة تربو على 500 متر مربع من المستنقعات، تنتشر بها نباتات مثل أقصاب ( الســمَّار )، و ( المطيــط، أو القصب الحجازي )؛ وفي أعلى النبع، تكثر أشجار ( الأثل )، مع أنواع أخرى من المباتات المتحملة للملوحة، مثل (الطرطيـــر )، الذي ينمو كأبسطة تغطي مساحات كبيرة.

وتتواجد بالمنطقة حيوانات مثل ( الأرنب ذو القباع ) Lepus capensis ؛ والجريبيع المصريGerbillus gerbillus ، بالإضافة إلى نوع من الغزلان، هو ( الغزال المصـــري ) Gazelle dorcas ؛ ومن الزواحف، يشيع وجود ( البرص القفَّــاز ) في أجمات أشجار الأثل الساحلية الكثيفة. وبصفة عامة، يصعب القول بأن ثمة أنواعاً بعينها من الحيوانات مميزة لهذه البيئة الطبيعية.

وتمثل منطقة المد والجزر، حيث يلتقي ويتراكب كل من اليابس والماء، موائل ذات قيمة كبيرة للكائنات الحية التي تعيش عند خط الشاطئ، وتجتذب – في أغلب الأحوال – تنويعات أخَّــاذة من أشكال الحياة المرتبطة بالمياه الضحلة، التي تتكون من حيوانات مهيَّــأة للحياة في الماء وخارجه؛ ويستعين بعضها بالبرك التي يخلِّفهــا البحر عند انحسار مياهه في الجزر، فتعيش فيها على خير وجه، حتى تعود مياه البحر لترتفع في المد، وتغطي كل المنطقة. وتشمل قائمة الكائنات البحرية التي اعتادت هذا النمط من الحياة، أنواعاً من القشريات ( جمبريات وسرطانات بحرية )، ولافقاريات بحرية أخرى، مثل ( الأطومات )، التي تعد أفضل نموذج للتوافق مع هذه البيئة، مع أن أنواعها تتفاوت في القدرة على تحمل درجات من الحرارة والجفاف. وثمة وصف للأطوم بأنه " الحيوان القشري الذي ينتصب على رأسه، ويركل طعامه إلى فمه، مستخدماً أطرافه الخلفية ". ويحدث للأسماك في هذه البيئة، من وقت لآخر، أن يخلفها الجزر وراءه، محبوسة في بركة من برك المنطقة، فتحدق بها الأخطار، إذ تتحول إلى فريسة سهلة المنال لطائر بحري جائع؛ في حين أن اللافقاريات الصغيرة تستطيع الاحتماء تحت الصخور، في الشواطئ الصخرية، فتنأى بنفسها عن خطر الافتراس.

 يبلغ ارتفاع جبل علبة 1437 متراً، وذلك يجعله أبعد ما يكون الأعلى بين مجموعة الجبال المطلة على البحر الأحمر؛ غير أنه – ونتيجة لصفاته الفريدة – يعد أهم موطن للحياة النباتية والحيوانية في مصر؛ كما أنه بمثابة الركيزة لمحمية جبل علبة، التي تفترش مساحة خمسة وثلاثين ألفاً وستمائة كيلومتر مربع، في أقصى اتجاه الجنوب الشرقي من مصر.

ومع أن متوسط هطول الأمطار في منطقة جبل علبة لا يزيد عن خمسين ملليمتراً، غير أن موقع الجبل في مواجهة البحر، وارتفاعه، يعملان على زيادة معدل الهطول إلى 200 مم في أعالي الجبل، إذ أن الرطوبة القادمة مع الهواء من جهة البحر الأحمر تتكاثف عند ذروة الجبل، وتتحول إلى مياه.

وينحني خط الساحل عند منطقة جبل علبة، في اتجاه الشرق، لتتسع مساحة الجبهة المواجهة للبحر عند هذه المنطقة، في هيئة قطاع من الأراضي المنبسطة، يتراوح اتساعه بين 20 و 25 كيلومتراً. أما الجبل ذاته، فهو كتلة متقطعة بواسطة عدد من الوديان الصغيرة، التي تتجمع في أودية أكبر، تفضــي لأسفل، إلى السهول. ومن هذه الأودية الكبيرة، وادي ( يحميب YAHAMEIB )، ووادي ( عِـدَيِّــــب )، اللذان ينتهيان عند الجناحين الشمالي والشمالي الشرقي لجبل علبة، على الترتيب؛ وفي امتداداتهما السفلية، تتكون عدة أدغال كثيفة من شجر الســـنط، تنمو معتمدة على المياه القليلة، التي تأتيها من أعلى. أما في الناحية الجنوبية، فينشأ واد رئيسي آخر، هو ( وادي صرماتي SERIMATI )، ويميزه تجمع مكشــوف من السنط.

إن الحياتين النباتية والحيوانية في هذا الجبل تتأثران بكمية المياه المتاحة؛ وفيهما تتبدى أعلى مظاهر التنوع، مقارَنـةً بأي منطقة أخرى في مصر مساوية لها في المساحة؛ فيدهشك أن تجد في جبل علبة عدداً من أنواع الكائنات الحية لا تجده في أنحاء أخرى من مصر، وهي أنواع تنتمي للإقليم الأفريقي الاستوائي، الذي يمثل الجبل أقصــى حدوده الشمالية. فأما الحياة النباتية، فتتكون من حوالي 500 نوع، بينها أنواع من النباتات اللازهرية ( سرخســيات وأشـــنات )، وهي شائعة إلى حد ما في المناطق المرتفعة من الجبل؛ ومنها أشجار ( أنوجراما ليبتوفيــــللا ) Anogramma leptophylla الطرية، التي تنمو في الصدوع الصخرية الظليلة؛ والنبات السرخسي الشهير، المعروف باسم ( كزبرة البئر )، المميز بسيقانه السوداء الصقيلة، وأوراقه السعفية اللينة. إن هذا النبات السرخسي الصغير ينمو في جوار الماء، بالمناطق الدافئة وتحت المدارية، وله استخدامات صيدلانية، فكان الإغريق القدامى يعالجون به السعال. ومن النباتات ذات النشأة المحلية بالمنطقة، نوع واحد هو ( الصُـــفرة )؛ كما أن جبل علبة هو الموطن الوحيد في مصر لشجرة الأومبيت OMBET ، واسمها العلمي دراسينا أومبيت Dracaena ombet ، التي تنتشر على منحدرات هذا الجبل. والأومبيت شجرة صغيرة إلى حدٍ ما، ذات صلة بنوع ( شجرة التنين ) Dragon Tree ، الشهيرة التي تعيش في الشرق الأقصى؛ وهي تتخذ مظهراً خلاباً حين تتفتح أزهارها العنقودية ذات اللون القرمزي، فوق أوراقها ذات النصال الحادة، الشبيهة بالسيوف.

أما العظاءة ( السحلية ) عين الثعبان ، ذات الألوان الملفتة للنظر، فقد كان الظن قديماً أنها نوع محلي النشأة، قاصر على جبل علبة، غير أنها وجدت مؤخراً في شبه الجزيرة العربية. إن انتشار هذه العظاءة في مصر مقصور على جبل علبة، مثلها في ذلك مثل ضفدع ضفدع دودسون، أو ضفدع جبل علبة. كذلك، ينتشر بالمنطقة نوع من الحيات الرقطاء، هو منشارية القشور Saw-Scaled ، واسمها المحلي ( حية غريبة سمراء ).

ومن اللبونيات الأرضية بالمنطقة، الظربان الأفريقي ، Ictonyx striatus ، وذئب الأرض Proteles cristatus ؛ وهمـــــــــا ينتميـــــــان للإقليم تحت الصحراوي. أما الكبــش المغربي Barbary Sheep ، فقـــد كــــــان المعتقد أنه لا يوجد خارج نطاق الصحراء الشرقية، إلى أن ثبت وجوده مؤخراً في منطقة جبل علبة. كذلك، وفي الآونة الأخيرة، شوهدت آثار أقدام حديثة للنمر Panthera pardus pardus .

الجدير بالذكر، أن منطقة جبل علبة قد أُدرجت مؤخراً في قائمة Birdlife International ، كأحد المواطن الهامة للطيور (IBAS) ، في مصر؛ وذلك لوجود عدد كبير من أنواع الطيور المتوالدة هناك، ينتمي جانب لا بأس به منها للإقليم الأفريقي الاستوائي، وجانب آخر هجر مواطنه الأصلية في شمال أفريقيا والشرق الأوسط، واستقر بالمنطقة؛ وأبرز هذه الأنواع، ذلك المعروف باسم الدقناش وردي الصدر، وهو غير معروف بمصر إلا في منطقة جبل علبة.

هناك تعليق واحد: