الأربعاء، 24 أغسطس 2011

جمال الألوان فى المصرية القديمة

 عشق المصرى القديم الجمال طوال إقامته بوادى النيل لآلاف السنين. وكان هذا العشق نابع من وجدان المصرى القديم الذى اكتسبه من البيئة المصرية. فلقد كان لجمال الموقع الجغرافى فى وسط العالم، المعتدل المناخ ونادر التقلبات والغنى بالمناظر الخلابة سواء فى الوادى الأخضر بنيله وحقوله بما فيه من زرقة الماء وصفاء السماء، وتغيرت ألوان النباتات من موسم لآخر، وكذلك الطيور المختلفة الألوان أو الصحراء الرائقة بصفار رمالها وصفاء سمائها، وتنوع مكونات جبالها من أحجار مختلفة أدى إلى إطفاء عليها العديد من الألوان. 


 كل هذه العوامل الطبيعية شكلت فى وجدان المصرى القديم الشعور بالإحساس بالجمال ومعايشته وخلقت فى الإنسان المصرى القديم، إنسان يحب الجمال ويقدره ويتلمسه فى كل شىء حوله. 
 كل هذه العوامل جعلت من المصرى القديم شغوف فى إطفاء لمسة الجمال فيما أبدعت يداه من فنون وخاصة الألوان والتلوين، سواء على الجدران فى المعابد أو المنازل أو المقابر أو التوابيت أو التماثيل...إلخ. 
 
 
 فكان إحساسه بالجمال فى الطبيعة المتجسدة فى الألوان السبب الرئيس فى البحث فى الطبيعة، عما يساعده على إظهار هذا الجمال فى أروع صورة وأن كان هذا العمل الدءوب استغرق منه آلاف السنين منذ الألف الرابع قبل الميلاد وحتى نهاية العصر الفرعونى واستمرـ أيضًا ـ خلال العصور التالية. 
 ورغم مرور آلاف السنين على الألوان المصرية المستخدمة، وتعرض الكثير منها إلى أشعة الشمس والضوء والحرارة والرطوبة إلا إنها مازالت فى حالة جيدة جدًا، دون تلف، وهذا يختلف عن الألوان المستخدمة أيامنا هذه وهى ألوان كيميائية لا تبق على حالها إذا ما تعرضت للعوامل السابقة، فضلاً عن الفترة الزمنية الطويلة للألوان المصرية القديمة. 
 والألوان المصرية القديمة ما هى إلا مواد معدنية طبيعية طحنت طحنًا ناعمًا أو حضرت من مواد معدنية، وهذا هو السبب فى بقائها آلاف السنين دون تغيير. فكان هناك اللون الأسود والأزرق والبنى والأخضر والرمادى والأحمر الوردى والأبيض والأصفر. 
 
 اللون الأسود: 
 المادة الملونة السوداء تكون دائمًا كربونًا فى صورة ما على شكل مسحوق ناعم جداً (الهباب) أو فحم خشب مطحون وهناك ـ أيضًا ـ خام أسود للمنجنيز من سيناء (بيروليوزيت). 
 
 اللون الأزرق: 
 من معدن (اللازوريت) وهو كربونات النحاس الزرقاء يوجد فى سيناء والصحراء الشرقية وكان هناك ـ أيضًا ـ المادة الزجاجية الزرقاء المكونة من السليكا والنحاس والكالسيوم، وتتكون من تسخين السيلكا مع مركب النحاس وكربونات الكالسيوم والنطرون مع الصودا. 
 وفى بعض الأحيان كان يستخدم فى إنتاج اللون الأزرق (اللازورد) و(الكوبلت). 
 
 
 اللون البنى: 
 ويتكون من أكسيد طبيعى للحديد بوضع طلاء أحمر على طلاء أسود وهو موجود فى الواحات الداخلة بالصحراء الغربية. 
 
 اللون الأخضر: 
 ويتكون من مركبات النحاس من (الملاخيت) المطحون، ويوجد فى سيناء والصحراء الشرقية أو من (ملاخيت) مع جبس أو(الكريسولا). 
 
 اللون الرمادى: 
 وهو خليط من الأسود والأبيض وكان مكونًا من خليط الجبس مع فحم الخشب الأسود. 
 
 
 لوحة صيد من مقابر النبلاء 
 
 اللون الأحمر القرنفلى: 
 وهو خليط اللون الأحمر واللون الأبيض، وعبارة عن أكسيد الحديد على طبقة من الجبس. 
 
 اللون الأحمر: 
 وهو عبارة عن أكسيد حديد (هيماتيت) والمغرة الحمراء. وتوجد فى أسوان والصحراء الغربية وفى بعض الأحيان استخدم (السلاقون) (أكسيد أحمر للرصاص). 
 
 اللون الأبيض: 
 وهو عبارة عن مسحوق الحجر الجيرى (كربونات الكالسيوم) أو الجبس (كبريتات الكالسيوم)، وهاتان المادتان موجودتان فى مصر بوفرة وخاصة فى طرة جنوب القاهرة. 
 
 اللون الأصفر: 
 ولتكوين اللون الأصفر هناك نوعان مختلفان من الأصفر. الأول المغرة الصفراء وهى (أكسيد الحديديك المائى). والثانى الرهج الأصفر وهو (كبريتوز طبيعى للزرنيخ). 
 
 هذه هى الألوان المصرية التى استخدمت فى مصر القديمة والتى من أجلها قام المصرى القديم لآلاف السنين البحث عنها فى كل أرجاء مصر وبعد الكثير من المحاولات العلمية والاستنباط من آلاف المصريين استطاعوا إنتاج هذه الألوان وإعدادها للفنانين والرسامين حتى يحققوا ما هدفوا إليه من إطفاء الجمال على الآثار المصرية. 
 
 
 ولكن لما كانت هذه المواد معادن طبيعية، فكان لابد من وجود وسيط لتثبيت هذه المواد فقد استخدم زيت بذرة الكتان أو الخشخاش أو الجوز. وهو زيت ثابت يجف بعد تعرضه للهواء (يتأكسد) والنوع الآخر زيت طيار (التربنتينا). وهناك مزيج من الماء ومادة لاصقة (جيلاتين أو غراء) أو صمغ وبويات النوع الأول هى بويات الزيت، وبويات النوع الثانى هى البويات المائية. 
 
 والمواد المكونة من السناج أو المغرتين الحمراء والصفراء تلتصق بالجبس والحجر إذا وضعت جافة وتزيد إذا بللت. أما اللازورد والملاخيت والزجاجية الزرقاء أو الخضراء لابد من وسيط فيكون الغراء، الجيلاتين، الصمغ أو زلال (بياض البيض) وكان هناك مادة تستخدم لتغطية الألوان وهى شمع العسل وهناك أيضاً الراتنج (محلول فى زيت الكتان). 
 
 من هنا نجد أن المصرى القديم الباحث دائمًا عن الجمال، لم يكل يومًا عن البحث العلمى الدءوب عبر آلاف السنين، فجال البلاد شمالاً وجنوب شرقًا وغربًا، باحثًا عن المواد المختلفة التى تساعده على إظهار ما فى نفس المصرى من جمال تأثر به فى بيئته وحاول تجسيده فما أبدعت يداه فى العمارة أو الرسم أو الآثار الصغيرة من تماثيل وخلافه



Sherif Mohamed
فى حب مصر

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق