الأحد، 24 أبريل 2011

حجر رشيد

د. عبدالحليم نور الدين                                    حضارة وتاريخ مصر

ان الدارس للحضارة المصرية لابد وان يختزن فى ذاكرتة مجموعة من الاسس وراسها مجموعة من العناصر التى فتحت الباب على مصراعية لمن يريد ان يعرف شيئا عن الحضارة المصرية هذهالعناصر هى الحجر والمكان والزمان والانسان.
اما الحجر فهو من البازلت الاسود ، واما المكان فهو رشيد احدى مدن محافظة البحيرة ، واما الزمان قهو 196 ق.م. ، و1799.
 
اما التاريخ الاول فهو تاريخ تسجيل النص على الحجر فى عهدالملك بطليموس الخامس ، واما التاريخ الثانى فهو عام الكشف عن هذا الحجر من قبل جنود الحملة الفرنسية اثناء قيامهم بحفر الفرنسى الشاب شامبليون.
من حسن احظ الحضارة المصرية ان كشف عن حجر رشيد عام 1799 م ، ذلك الحجر الذى ضم مفاتيح اللغة المصرية القديمة والذى لولاه لظلت الحضارة المصرية غامضة  لاندرى عنها امرها شيئا لاننا لانستطيع ان نقرا الكتابات التى دونها المصريون القدماء على اثارهم .
فقد حصل الشاب الفرنسى شامبليون ، كما حصل غيره من الباحثين على نسخة من الحجر وعكف على دراسته مبديا اهتماما شديدا بالخط الهيروغليفى ومعتمدا على خبرته الطويلة اليونانية القيمة ، وفى اللغات القديمة بوجه عام .
وحجر رشيد المحفوظ حاليا فى المتحف لبريطانى من البازلت الاسود  غير منتظم الشكل ارتفاعه 113 سم وعرضه 75سم  وسمكه 27,5 سم وقد فقدت اجزاء منه فى اعلاه واسفله.

ويتضمن الحجر من بين ما يتضمن مرسوما من الكهنة المجتمعين فى مدينة منف  (ميت رهينة –مركز البدرشين – محافظة الجيزة) يشكرون فية الملك بطليموس الخامس حوالى عام 196 ق .م . لقيامه بوقف الاوقاف على المابد واعفاء الكهنة من بعض الالتزامات  ، وسجل هذا المرسوم بخطوط ثلاث هى  حسب ترتيب كتابتها اعلى الى اسفل : الهيروغليفيه ، الديموطيقية ، وقد فقد الجزء الاكبر من الخط الهيروغليفى وجز بسيط  منالنص اليونانى ،وقد اردا الكهنة ان يسجلوا هذا العرفان بالفضل للملك البطلمى بالخط الرسمى وهو الخط الهيروغليفى ، وخطالحياة االيومية السائد فى الفترة وهوالخط الديموطيقى ، ثم الخط اليونانى وهوالخط الذى تكتب به لغة البطالمة الذين كانوا يحتلون مصر .

وكان المكتشفون للحجرقد اقترحوا ان الحجر يتضمن نصا واحدا بخطوط ثلاثة مختلفة ، واتضح فيما بعد ان اقتراحهم كان صائبا . وبعد نقل الحجر الى القاهرة امر "نابليون" بالاعداد عدة نسخ منه لتكون فى متناول المهتمين فى اوروبا بوجه عام وفى فرنسا بوجه خاص بالحضارةالمصرية  زوكان الحجر قد وصل الى بريطانيا عام1802 بمقتضي اتفاقية  ابرمت بين انجلترا وفرنسا تسلمت انجلترا بمقتضاها الحجر واثارا اخرى وبدا الباحثونبترمجة النص اليونانى ، وابدى الباحثان  "سلفستر دى ساسى " واكربلاد " اهتماما خاصا بالخط الديموطيقى .

وجاءت اولى الخطوات الهامة فى مجال الخط الهيروغليفى على يد العالم الانجليزى توماس يونج الذى حصل على نسخة من حجر رشيد عام 1814 موافترض ان "الخراطيش " تحتوي على اسماء ملكية واعتمدعلى نصوص اخرى مشابهة كالمسلة التى عثر عليها فى فيلة عام 1815 م والتى تضمن نصا باليونانية واخر بالهيروغليفية .
ورغم كل الجهود السابقة فى فك رموز حجر رشيد الا ان الفضل الاكبر يرجع للعالم الفرنسى " جان فرانسوا شامبليون (1790-1832)

كان على شامبليون ان يواجة مجموعة من الافتراضات اولها : هل الخطوط الثلاثة (الهيروغليفية –الديمو طيقية –واليونانية )تمثل ثلاثة نصوص مختلفة من حيث المضمون ام انها تمثل موضوعا واحدا ولكنه كتب بالخط الرسمى  ( الهيروغليفى ) وخط الحياة اليومية السائدة فى هذه الفترة (الديموطقي )ثم بلغة اليو نانيين الذين كانوا يحتلون مصر.
وثانيها:يتعلق ببنية اللغة المصرية هل تقوم على ابجدية اي مجموعة من الحروف كاللغات الحية مثلا ؟ ام انهاكتبت بعلامات تراوحت قيمتها الصوتية بين حرف وحرفين او ثلاث او اكثر . وثالثا : هل عرفت هذه الكتابة حروف الحركة ؟ وهل العلامات تصويرية ام صوتية ؟ وما هي الادوات التى استخدمها المصرى لتحديد معني المفردات ؟ وهل استخدمهاالمخصصات والعلامات التفسيرية ؟!!!...الخ.

 لابد ان هذه الافتراضات والتساؤلات وغيرها كانت تدورفى ذهن شامبليون وهو يتعا مل مع الحجر ولابد انة استرعى انتباهه ان هناك اكثر من خط للغهالمصرية القديمة ، فضلا عن تساؤلات منها ..هل هناك علاقة خطية بين الهروغليفية والير اطيقية والديموطيقية ؟ وهل هنك منعلاقة لغويه فى مجال القواعد والصرف ..الخ .. ثم هذه العلامات الاسطوانية فى النص الهيروغليطي والتى تحيط ببعض العلامات الهيروغليفية –والتى عرفناها فيما بعد باسم  الخرطوش –ماذا تعني ؟

لقد قرا شامبليون النص اليوناني بخطين وفهم مضمونة وقرا اسم بطليموس ؛ والواضح انة سلك منهج الاعتماد على اسماء الاعلام غير القابلة للتغيير ، وتحرك من فرضية ان هذا المرسوم الذى صدر فى عهد الملك بطليموس عام 196 ق. م لابد وانة قد كتب الى جانب اليونانية بخطين من خطوط اللغة الوطنية . ةلابد ان اسم بطليموس باليونانية سوف يقابل فى الخطين الهيروغليفى والديموطيقي .
وفى ضوء خبرة شامبليون فى الخطوط القديمة ودراسته للقبطية على اعتبار –ما اتضح له فيما بعد – انها المرحلة الاخيرة من مراحل الغة المصرية القديمة ، وفى ظل ادراكه بان الحروف الساكنةلاسماء الاعلام لا تتغير مهما تعددتاللغات التى كتبت بها ، ففى العربية نجد اسما مثل "مجدي " لايمكن للحروف الاولى الثلاثة ان تسقط ،وكذلك " حسن " وان خففت بعض الحروف او انقلبت او ابدلت ، الا ان الصعوبة سوف تتمثل فى حروف الحكة التى تحدد نطق السواكن بالفتحة او بالضمة اوبالكسرة . ولخلو اللغة المصرية القديمة من حروف الحركة يجئ الاختلاف فى نطق السوكن ، الا ان القبطية التى ظهرت فيها حروف الحركة حسمت الامر الى حد كبير .
ضمن حجر رشيد " خرطوشا " واحدا تكرر ست مرات ضم اسم الملك بطليموس وهو الاسم الذى ورد على مسلة "فيلة " بالاضافة الى اسم كليوباترا .

سجل شامبليون العلامات الواردة فى خرطوش " بطليموس " ورقمها وفعل نفس الشئ بالنسبة لخرطوش         " كليو باترا "  الوارد على مسلة فيلة نظرا لاشتراك الاسمين فى لقيمة الصوتية لبعض العلامات كالباء والتاء واللام.

وسجل نفس الاسمين باليونانية ورقم كل حرف منها وقابل العلامة الاولى من اسم بطليموس بالهيروغليفية وما يقابلها فى اسمة بالونانية فى اطار النهج الذى اشرت الية منقبل ، والذى مؤداه ان الثوابت فى اسماء الاعلام لاتتغير ، امكن له ان يتعرف على القيمة الصوتية لبعض العلامات الهيروغليفية اعتمادا على قيمتها الصوتية فى اليونانية  . وبمزيد من الدراسات المقارنة امكن  "لشامبليون " ان يتعرف على القيمة الصوتية لكثير من العلامات . وفى عام 1822 اعلن شامبليون على العالم انه تمكن منفك رموز اللغة المصرية القديمة ، وان بنية الكلمة فى اللغة المصرية لاتقوم على ابجدية وانما تقوم على علامات تعطى القيمة لحرف واحد واخرى لاثنين وثالثه لثلاث ، واكد استخدام المخصصات فى نهاية المفردات لتحديد معنى الكلمة  .

وهكذا وضع "شامبليون " اللبنات الاولى فى صرح اللغة المصرية القديمة  .
وجاء من بعده المئات من الباحثين الذين اسهموا فى استكمال بناء هذا الصرحالشامخ .
وبمعرفة  اللغة المصرية القديمة بدا الغموض ينجلى عن الحضارة المصرية واخذعلم المصريات يشق طريقه بقوة بين العلوم الاخرى .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق